دخول
المواضيع الأخيرة
المواضيع الأكثر نشاطاً
سحابة الكلمات الدلالية
المواضيع الأكثر شعبية
مواضيع مماثلة
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية
بحـث
لمحة اجتماعية من تجربة مدينة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم
صفحة 1 من اصل 1
لمحة اجتماعية من تجربة مدينة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم
بعد أن هاجر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى المدينة المنورة، واستتب له الأمر فيها، تقرر ان يهاجر المسلمون من مكة إليها أيضا. وحيث تواردوا أفواجا، استقبلهم الأنصار وأوسعوا لهم صدورهم ودورهم، وتقاسموا معهم الأموال.
ولكن الخط المنافق من أهل المدينة وغيرهم ما كان يرضيهم أن يحتضن الأنصار المهاجرين، فلما أجلى المسلمون اليهود عن المدينة، وقرر الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم أن يعطي الفيء للمهاجرين، طفحت أحقادهم، واتخذوا الأمر فرصة سانحة ليلعبوا دورهم الخبيث. فمشوا بين الناس بالشائعات ليضربوا زعامة النبي صلى الله عليه وآله، الذي يكنون له الحقد الدفين باعتباره لم يكن من أهل المدينة، وقد سفه أحلامهم، وخيب ظنونهم الجاهلية.. وذلك بالتشكيك في سلامة نيته، حيث اتهموه بأنه انحاز لقومه (المهاجرين) على حساب الأنصار. ومن جهة أخرى استغلوا مسألة تقسيم الفيء بين المهاجرين فقط لهدف ايجاد الاختلاف والفرقة بين المسلمين.
ولا يخفى ان ظاهر الأمر كان يمكن تجييره لصالح التفرقة لاختلاف المهاجرين والأنصار، وعموما تتأسس سياسات التفرقة دائما على المظاهر المادية كاللون والمذهب والقومية والطائفية.. وطالما أظهر المنافقون، وعلى رأسهم (عبد الله ابن أبي) للأنصار أنهم يريدون خيرهم من وراء موقفهم، وطالما استثاروا فيهم الوطنية الزائفة وشح النفس ليكسبوهم.. ولكنهم رفضوا ذلك، لأنهم كانوا أصحاب البصيرة النافذة، والإيمان الرفيع، والتسليم المطلق لقيادة الحق.
أما رسول الله صلى الله عليه وآله فقد جمعهم، وقال: (إن شئتم قسمتم للمهاجرين من دوركم وأموالكم، وقسمت لكم من الغنيمة كما قسمت لهم (أي أساوي بينكم)، وإن شئتم كان لهم الغنيمة ولكم دياركم وأموالكم (أي يخرجون من أموالكم ودوركم ويصير لهم الفيء خالصا). فقالوا: لا؛ بل نقسم لهم من ديارنا وأموالنا، ولا نشاركهم في الغنيمة). (التفسير الكبير، للرازي، ص287).
بهذا فشل المنافقون؛ وهكذا تنتصر كل أمة على محاولات التفرقة حينما تتبع قائدها، وتلتزم بالقيم الحق، وتعيش فيما بينها الألفة والحب والإخاء.
وقد سجل ربنا جل وعلا هذا الموقف الجليل كرامة للأنصار، وليكون نموذجا على ما يصنعه الإسلام بالنفوس، وليبين للبشرية جيلا بعد جيل وللأمة الإسلامية بالذات سر انتصاراتها في التاريخ وسبيلها إلى ذلك. وان الرعيل الأول من المسلمين إنما قاد العالم يومئذ بهذه الروح الإيمانية السامية، فقال الله عز وجل: (والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون). [الحشر/ 9].
ونستوحي من الآية؛ أنه إذا انتصر المؤمنون في بلد، وكونوا المجتمع الإسلامي، فلا يعني أن أهل تلك البلاد من المسلمين هم أفضل من غيرهم، ولا يجوز أن يستأثروا بالمكاسب أو يفرضوا وصايتهم على غيرهم.
كلا؛ فكل ما عند المؤمنين، حتى أنفسهم ملك للإسلام ولأهله، الذين هم إخوانهم؛ وينبغي لهم ان لا يأخذهم غرور الإنتصار أو العجب بالنفس، بل يفعلون كما فعل الأنصار. فلقد بلغ بهم الإيمان والحب لإخوانهم أن آثروهم على أنفسهم، لأنهم انتموا للإسلام إبتغاء فضل الله ورضوانه، وليس بحثا عن المكاسب المادية، يقدرون ظروف اخوانهم المهاجرين، حيث ضحوا بأموالهم وبيوتهم ومستقبلهم المادي من أجل الدين، وحبا في الإنتماء إليهم، وضم جهودهم وطاقاتهم إليهم لتقوية مجتمع الحق وجبهته.
وهنا ثمة سؤال ينتظر الإجابة، وهو: كيف يجب ان تكون علاقة الأجيال المؤمنة (السابقة باللاحقة، والأنصار بالمجاهدين، والمنتصرين بالحركات التي تسعى للإنتصار فتهاجر إليهم)؟
الجواب.. أولا: الحب القلبي الصادق؛ فلا يرون اللاحقين بهم من سائر الفصائل الرسالية غرباء أو دخلاء، ولا يريدونهم ان يكونوا عملاء لهم، ولا يستثير وجودهم وتنافسهم ولا حتى انتقادهم أي حقد وحسد، ولا أي لون من الحساسيات السلبية، لأن رابطتهم ببعضهم أكبر من كل ذلك؛ إنها رابطة الإيمان والجهاد.
قال الله تعالى: (والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم).
هكذا يحدد القرآن محور التواصل بين فئات المؤمنين، الأنصار الذين سبقوا غيرهم في بناء التجمع الإيماني، والمهاجرين الذين تجردوا عن مصالحهم في سبيل الله. فبين ان الحب هو ذلك المحور.
ولا يصل الإنسان إلى هذا المستوى الرفيع من الأخلاق الا إذا تمكن الإيمان من نفسه، فتجاوز شح نفسه (الأهواء والشهوات والمصالح) وتحرر من أغلال الوطنية والقومية والعنصرية والطبقية والحزبية، وأصبح مثلما قال الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام: (من أحب لله وأبغض لله، وأعطى لله ومنع لله، فهو ممن كمل إيمانه).
وثمة كلمة؛ إن المؤمن الصادق محكوم بمعادلة التولي والتبري، وبالتالي فإن نسبة تبريه من الأعداء هي من وجهها الآخر تولي للمؤمنين. قال الله تعالى: (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم).
وإننا اليوم نسعى من أجل المجتمع المسلم، فلابد أن نبدأ بأنفسنا، ونجعل تجمعنا ربانيا يدور على محور الحب في الله والبغض في الله، حتى يباركه الله من فوق عرشه ويرعاه بنصره وتأييده.
ثانيا: التجرد عن الحسد؛ مهما أوتوا من شيء مادي أو معنوي. فصدورهم صافية طاهرة، لا تنطوي على غل ولا حساسية تجاه اخوانهم؛ كما انها واسعة لا تضيق بتقدمهم أو تقديمهم، لما هي معمورة به من الإيمان والوعي.
والواحد منهم متجرد عن ذاته للقيم، وللأمة كلها، فلا يرى أن الإنتصار أو الدولة أو المغانم أو المناصب.. حكرا له أو لفريق دون آخر، إنما هي للجميع، كما يرى ان تقدم أي فرد أو جهة هو تقدم له أيضا.
قال الله تعالى: (ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا) لأن الفضل بيد الله تعالى يؤتيه من يشاء، والرأي للقيادة الرسالية تقرر ما تراه مناسبا، والحق لصاحب الكفاءة، وليست لأحد الوصاية في فضل الله وما له وما للأمة. فلماذا الحسد والتقاتل على المكاسب والمراتب؟
إن المؤمنين يسعون بكل ما أوتوا لدعم إخوانهم، ورفد مسيرتهم لكي يتقدموا ويعلو شأنهم ويعلو من خلالهم شأن الدين والأمة. وما يؤسف له اليوم ان نرى في الأمة فريقا من مرضى القلوب الذين يجهدون بكل ما أوتوا من حول وطول ومكر، من أجل تحطيم كل قيادة ناشئة تبرز في الساحة، وترى في صدورهم ألف ألف حاجة مما أوتي أولئك من الفضل والسمعة.
وقد وقف الإسلام موقفا صارما من الحسد، حتى عدله بالشرك والكفر والنفاق. قال الإمام الصادق عليه السلام: (يقول إبليس لجنوده: ألقوا بينهم الحسد والبغي (يعني بين المؤمنين) فإنهما يعدلان الشرك)، وقال عليه السلام محذرا: (إياكم أن يحسد بعضكم بعضا، فإن الكفر أصله الحسد)، وقال عليه السلام: (إن المؤمن يغبط ولا يحسد، والمنافق يحسد ولا يغبط)..
وقوله تعالى: (لا يجدون في صدورهم..) يؤكد لنا أن الحساد هم أصحاب الصدور الضيقة، والقلوب المريضة. وأهم الحاجات التي يضمرها الحاسدون في صدورهم هو تحطيم إخوانهم. ولا ريب انها سوف تتضخم فتراكم العقد في نفوسهم، وتدفعهم إلى سلوك اجتماعي خطير تجاه الآخرين. ولذلك جاء في الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام: (للحاسد ثلاث علامات؛ يغتاب إذا غاب، ويتملق إذا شهد، ويشمت بالمصيبة).
ولك ان تتصور مجتمعا متحاسدا يكاد يتمزق داخليا، كيف يتسنى له ان يتقدم حضاريا، وكيف ينتصر أمام التحديات الكبيرة.
ثالثا: الإيثار؛ وهو علامة الإيمان، والمظهر الخارجي للحب الصادق تجاه الاخوان، وقمة التماسك في جبهة الإيمان، حيث التفاني والتضحية من أجل الآخرين لوجه الله.
والمؤمن الصادق هو الذي يقدم نفسه للخطر ليسلم الآخرون، ويؤخرها عند المكاسب ليغنموا. أوليس يبحث عن القمة السامقة من الإيمان والفلاح التي تتمثل في الإيثار؟
بلى؛ وهو لا يقيم وزنا لحطام الدنيا، حتى يتقاتل عليه، أو ينفرد به.
والأنصار ليس أحبوا إخوانهم المهاجرين وتطهروا من الحسد تجاههم فحسب، بل وآثروهم على أنفسهم، ووصلوا من الإيثار سنامه حينما تنازلوا عن حظهم من الغنيمة رغم حاجتهم الشديدة.
قال الله تعالى: (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة)
فهم لم يجعلوا عوزهم وحاجتهم الشديدة تبريرا لترك الإيثار.
ولا يغيب عنا أن الإيثار هو قمة الفضيلة، وان بلوغها بحاجة إلى عملية تربوية متواصلة، وذلك بالإستعادة بالله سبحانه من الحرص والبخل وشح النفس.
(ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون)
فبالقدر الذي يسعى الإنسان إلى المزيد من العلم والتقدم، ينبغي ان يسعى بإضعافه إلى تزكية نفسه وكمال أخلاقه. وإنما اعتبر القرآن الوقاية من شح النفس هي الفلاح، لأن شح النفس رأس كل خطيئة وانحراف في حياة الإنسان؛ فهو أساس الكفر والشرك والظلم والحسد..
ولكن ما هو السبيل إلى الخلاص من هذه التهلكة؟
انه التوكل على الله والإستعاذة من شر النفس الأمارة بالسوء، والإنفتاح على هدى القرآن وبصائر السنة الشريفة، وتقبل نصائح الواعظين
ولكن الخط المنافق من أهل المدينة وغيرهم ما كان يرضيهم أن يحتضن الأنصار المهاجرين، فلما أجلى المسلمون اليهود عن المدينة، وقرر الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم أن يعطي الفيء للمهاجرين، طفحت أحقادهم، واتخذوا الأمر فرصة سانحة ليلعبوا دورهم الخبيث. فمشوا بين الناس بالشائعات ليضربوا زعامة النبي صلى الله عليه وآله، الذي يكنون له الحقد الدفين باعتباره لم يكن من أهل المدينة، وقد سفه أحلامهم، وخيب ظنونهم الجاهلية.. وذلك بالتشكيك في سلامة نيته، حيث اتهموه بأنه انحاز لقومه (المهاجرين) على حساب الأنصار. ومن جهة أخرى استغلوا مسألة تقسيم الفيء بين المهاجرين فقط لهدف ايجاد الاختلاف والفرقة بين المسلمين.
ولا يخفى ان ظاهر الأمر كان يمكن تجييره لصالح التفرقة لاختلاف المهاجرين والأنصار، وعموما تتأسس سياسات التفرقة دائما على المظاهر المادية كاللون والمذهب والقومية والطائفية.. وطالما أظهر المنافقون، وعلى رأسهم (عبد الله ابن أبي) للأنصار أنهم يريدون خيرهم من وراء موقفهم، وطالما استثاروا فيهم الوطنية الزائفة وشح النفس ليكسبوهم.. ولكنهم رفضوا ذلك، لأنهم كانوا أصحاب البصيرة النافذة، والإيمان الرفيع، والتسليم المطلق لقيادة الحق.
أما رسول الله صلى الله عليه وآله فقد جمعهم، وقال: (إن شئتم قسمتم للمهاجرين من دوركم وأموالكم، وقسمت لكم من الغنيمة كما قسمت لهم (أي أساوي بينكم)، وإن شئتم كان لهم الغنيمة ولكم دياركم وأموالكم (أي يخرجون من أموالكم ودوركم ويصير لهم الفيء خالصا). فقالوا: لا؛ بل نقسم لهم من ديارنا وأموالنا، ولا نشاركهم في الغنيمة). (التفسير الكبير، للرازي، ص287).
بهذا فشل المنافقون؛ وهكذا تنتصر كل أمة على محاولات التفرقة حينما تتبع قائدها، وتلتزم بالقيم الحق، وتعيش فيما بينها الألفة والحب والإخاء.
وقد سجل ربنا جل وعلا هذا الموقف الجليل كرامة للأنصار، وليكون نموذجا على ما يصنعه الإسلام بالنفوس، وليبين للبشرية جيلا بعد جيل وللأمة الإسلامية بالذات سر انتصاراتها في التاريخ وسبيلها إلى ذلك. وان الرعيل الأول من المسلمين إنما قاد العالم يومئذ بهذه الروح الإيمانية السامية، فقال الله عز وجل: (والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون). [الحشر/ 9].
ونستوحي من الآية؛ أنه إذا انتصر المؤمنون في بلد، وكونوا المجتمع الإسلامي، فلا يعني أن أهل تلك البلاد من المسلمين هم أفضل من غيرهم، ولا يجوز أن يستأثروا بالمكاسب أو يفرضوا وصايتهم على غيرهم.
كلا؛ فكل ما عند المؤمنين، حتى أنفسهم ملك للإسلام ولأهله، الذين هم إخوانهم؛ وينبغي لهم ان لا يأخذهم غرور الإنتصار أو العجب بالنفس، بل يفعلون كما فعل الأنصار. فلقد بلغ بهم الإيمان والحب لإخوانهم أن آثروهم على أنفسهم، لأنهم انتموا للإسلام إبتغاء فضل الله ورضوانه، وليس بحثا عن المكاسب المادية، يقدرون ظروف اخوانهم المهاجرين، حيث ضحوا بأموالهم وبيوتهم ومستقبلهم المادي من أجل الدين، وحبا في الإنتماء إليهم، وضم جهودهم وطاقاتهم إليهم لتقوية مجتمع الحق وجبهته.
وهنا ثمة سؤال ينتظر الإجابة، وهو: كيف يجب ان تكون علاقة الأجيال المؤمنة (السابقة باللاحقة، والأنصار بالمجاهدين، والمنتصرين بالحركات التي تسعى للإنتصار فتهاجر إليهم)؟
الجواب.. أولا: الحب القلبي الصادق؛ فلا يرون اللاحقين بهم من سائر الفصائل الرسالية غرباء أو دخلاء، ولا يريدونهم ان يكونوا عملاء لهم، ولا يستثير وجودهم وتنافسهم ولا حتى انتقادهم أي حقد وحسد، ولا أي لون من الحساسيات السلبية، لأن رابطتهم ببعضهم أكبر من كل ذلك؛ إنها رابطة الإيمان والجهاد.
قال الله تعالى: (والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم).
هكذا يحدد القرآن محور التواصل بين فئات المؤمنين، الأنصار الذين سبقوا غيرهم في بناء التجمع الإيماني، والمهاجرين الذين تجردوا عن مصالحهم في سبيل الله. فبين ان الحب هو ذلك المحور.
ولا يصل الإنسان إلى هذا المستوى الرفيع من الأخلاق الا إذا تمكن الإيمان من نفسه، فتجاوز شح نفسه (الأهواء والشهوات والمصالح) وتحرر من أغلال الوطنية والقومية والعنصرية والطبقية والحزبية، وأصبح مثلما قال الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام: (من أحب لله وأبغض لله، وأعطى لله ومنع لله، فهو ممن كمل إيمانه).
وثمة كلمة؛ إن المؤمن الصادق محكوم بمعادلة التولي والتبري، وبالتالي فإن نسبة تبريه من الأعداء هي من وجهها الآخر تولي للمؤمنين. قال الله تعالى: (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم).
وإننا اليوم نسعى من أجل المجتمع المسلم، فلابد أن نبدأ بأنفسنا، ونجعل تجمعنا ربانيا يدور على محور الحب في الله والبغض في الله، حتى يباركه الله من فوق عرشه ويرعاه بنصره وتأييده.
ثانيا: التجرد عن الحسد؛ مهما أوتوا من شيء مادي أو معنوي. فصدورهم صافية طاهرة، لا تنطوي على غل ولا حساسية تجاه اخوانهم؛ كما انها واسعة لا تضيق بتقدمهم أو تقديمهم، لما هي معمورة به من الإيمان والوعي.
والواحد منهم متجرد عن ذاته للقيم، وللأمة كلها، فلا يرى أن الإنتصار أو الدولة أو المغانم أو المناصب.. حكرا له أو لفريق دون آخر، إنما هي للجميع، كما يرى ان تقدم أي فرد أو جهة هو تقدم له أيضا.
قال الله تعالى: (ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا) لأن الفضل بيد الله تعالى يؤتيه من يشاء، والرأي للقيادة الرسالية تقرر ما تراه مناسبا، والحق لصاحب الكفاءة، وليست لأحد الوصاية في فضل الله وما له وما للأمة. فلماذا الحسد والتقاتل على المكاسب والمراتب؟
إن المؤمنين يسعون بكل ما أوتوا لدعم إخوانهم، ورفد مسيرتهم لكي يتقدموا ويعلو شأنهم ويعلو من خلالهم شأن الدين والأمة. وما يؤسف له اليوم ان نرى في الأمة فريقا من مرضى القلوب الذين يجهدون بكل ما أوتوا من حول وطول ومكر، من أجل تحطيم كل قيادة ناشئة تبرز في الساحة، وترى في صدورهم ألف ألف حاجة مما أوتي أولئك من الفضل والسمعة.
وقد وقف الإسلام موقفا صارما من الحسد، حتى عدله بالشرك والكفر والنفاق. قال الإمام الصادق عليه السلام: (يقول إبليس لجنوده: ألقوا بينهم الحسد والبغي (يعني بين المؤمنين) فإنهما يعدلان الشرك)، وقال عليه السلام محذرا: (إياكم أن يحسد بعضكم بعضا، فإن الكفر أصله الحسد)، وقال عليه السلام: (إن المؤمن يغبط ولا يحسد، والمنافق يحسد ولا يغبط)..
وقوله تعالى: (لا يجدون في صدورهم..) يؤكد لنا أن الحساد هم أصحاب الصدور الضيقة، والقلوب المريضة. وأهم الحاجات التي يضمرها الحاسدون في صدورهم هو تحطيم إخوانهم. ولا ريب انها سوف تتضخم فتراكم العقد في نفوسهم، وتدفعهم إلى سلوك اجتماعي خطير تجاه الآخرين. ولذلك جاء في الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام: (للحاسد ثلاث علامات؛ يغتاب إذا غاب، ويتملق إذا شهد، ويشمت بالمصيبة).
ولك ان تتصور مجتمعا متحاسدا يكاد يتمزق داخليا، كيف يتسنى له ان يتقدم حضاريا، وكيف ينتصر أمام التحديات الكبيرة.
ثالثا: الإيثار؛ وهو علامة الإيمان، والمظهر الخارجي للحب الصادق تجاه الاخوان، وقمة التماسك في جبهة الإيمان، حيث التفاني والتضحية من أجل الآخرين لوجه الله.
والمؤمن الصادق هو الذي يقدم نفسه للخطر ليسلم الآخرون، ويؤخرها عند المكاسب ليغنموا. أوليس يبحث عن القمة السامقة من الإيمان والفلاح التي تتمثل في الإيثار؟
بلى؛ وهو لا يقيم وزنا لحطام الدنيا، حتى يتقاتل عليه، أو ينفرد به.
والأنصار ليس أحبوا إخوانهم المهاجرين وتطهروا من الحسد تجاههم فحسب، بل وآثروهم على أنفسهم، ووصلوا من الإيثار سنامه حينما تنازلوا عن حظهم من الغنيمة رغم حاجتهم الشديدة.
قال الله تعالى: (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة)
فهم لم يجعلوا عوزهم وحاجتهم الشديدة تبريرا لترك الإيثار.
ولا يغيب عنا أن الإيثار هو قمة الفضيلة، وان بلوغها بحاجة إلى عملية تربوية متواصلة، وذلك بالإستعادة بالله سبحانه من الحرص والبخل وشح النفس.
(ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون)
فبالقدر الذي يسعى الإنسان إلى المزيد من العلم والتقدم، ينبغي ان يسعى بإضعافه إلى تزكية نفسه وكمال أخلاقه. وإنما اعتبر القرآن الوقاية من شح النفس هي الفلاح، لأن شح النفس رأس كل خطيئة وانحراف في حياة الإنسان؛ فهو أساس الكفر والشرك والظلم والحسد..
ولكن ما هو السبيل إلى الخلاص من هذه التهلكة؟
انه التوكل على الله والإستعاذة من شر النفس الأمارة بالسوء، والإنفتاح على هدى القرآن وبصائر السنة الشريفة، وتقبل نصائح الواعظين
مواضيع مماثلة
» هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم
» حياة الرسول صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة
» بالفيديو .. بداية نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم
» حياة الرسول صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة
» بالفيديو .. بداية نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الثلاثاء يناير 14, 2014 5:51 am من طرف علاء سعد حميده
» بالفيديو ضوابط دراسة السيرة النبوية العطرة
الخميس نوفمبر 07, 2013 7:46 pm من طرف علاء سعد حميده
» تعليم الصلاة بطريقة بسيطة
الجمعة نوفمبر 30, 2012 1:31 pm من طرف Admin
» بعض معجزات النبى صلى الله عليه وسلم
السبت أكتوبر 27, 2012 3:46 pm من طرف Admin
» مبشرات ميلاد النبى صلى الله عليه وسلم
السبت أكتوبر 27, 2012 3:14 pm من طرف Admin
» حياة الرسول صلى الله علية وسلم بعد فتح مكه
السبت أكتوبر 27, 2012 2:17 pm من طرف Admin
» حياة الرسول صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة
السبت أكتوبر 27, 2012 2:05 pm من طرف Admin
» حياة الرسول صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة
السبت أكتوبر 27, 2012 1:08 pm من طرف Admin
» الإعجاز العلمى فى السنة النبوية
السبت أكتوبر 27, 2012 12:40 pm من طرف Admin